ثقافةسياسةمجلة (حقك)مصر

تدريس حقوق الإنسان.. محلك سر

"مادة وهتعدي" شعار الطلبة في مواجهة مادة حقوق الإنسان

كتب – أسامة الرشيدي

” مادة ملهاش لازمة ومش هستفيد منها بحاجة” كان هذا هو الانطباع الأول لـ”محمد فتحي” الطالب بالسنة الإعدادية بكلية الهندسة جامعة حلوان عندما علم أنه سوف يدرس مادة عن حقوق الإنسان في العام الأول بالكلية، “وهذا الانطباع استمر إلى الآن” يضيف محمد.

أهم ما يميز المادة في رأي محمد هو الديمقراطية وحرية التعبير التي يسمح بها أستاذ المادة للطلبة ليعبروا بها عن رأيهم في مختلف القضايا، بينما يقوم فقط بتوجيهها وتصحيحها، كما أن للمادة ميزة أخري هي وقوعها بين محاضرتي مادتين من أصعب المواد التي يدرسها في الكلية وهما مادتي الكهرباء والميكانيكا، “هي محاضرة لذيذة تعتبر استراحة” يقول محمد، كما أنها مادة سهلة ويعتبر النجاح فيها مضمونا، “حتى الكتاب الذي نتدارسه صغير الحجم ولا يشكل عائقا في المذاكرة، حتى إن أستاذ المادة قام بطرح مذكرات إضافية على الطلاب عندما انتهى من الكتاب ولم ينته الفصل الدراسي بعد” يقولها محمد ضاحكا، عدا تلك المميزات لا يوجد تأثير للمادة على الطلاب أو مساهمة في تغيير تفكيرهم أو سلوكياتهم كما يري محمد.

ويبدي محمد اندهاشه من قيام عدد كبير من الخبراء والأساتذة بتأليف الكتاب على الرغم من صغر حجمه الذي لا يتوافق مع هذا العدد الكبير من المؤلفين.

لا يعرف محمد السبب الذي جعل الجامعة تقوم بإقرار تدريس تلك المادة عليهم ولا يهمه معرفة السبب فهي “مجرد مادة هتعدي وخلاص” على حد قوله.

كان المجلس الأعلى للجامعات قد أوصي في قراره الصادر في أبريل 2004 بتدريس مقرر عن حقوق الإنسان في مختلف كليات الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، واستجابت له جامعة حلوان، وأصدر مجلس الجامعة قرارا في سبتمبر 2004 بتدريس مادة حقوق الإنسان في العام الدراسي الأول بمختلف كليات الجامعة، وكان الدكتور مصطفى الفقي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان قد أعلن منذ شهور عن نية المجلس تدريس مادة لحقوق الإنسان في المدارس أيضا بجانب الجامعات للتوسع في نشر ثقافة حقوق الإنسان عند الطلاب.

يبدو كتاب المادة بالفعل صغيرا مقارنة بعدد المؤلفين الذين اشتركوا في وضع الكتاب، إذ قام بوضعه 13 أستاذا وعضوا بهيئة تدريس من مختلف كليات الجامعة يتصدرهم الدكتور أحمد سلامة نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث.

وتشير مقدمة الكتاب التي وضعها الدكتور أحمد سلامة إلى أن الهدف من هذه المادة هو “إحياء تراث الأجداد والكشف عن كنوزه في هذا المجال، وتذكير غيرنا بأن رصيدنا الحضاري فيه الدر كامن، وزاخر بكل المعارف والعلوم، وسباق في إرساء أصولها وقواعدها”.

ويتكون الكتاب الذي يحمل عنوان “حقوق الإنسان وأخلاقيات المهنة” من 4 أبواب مقسمة على 11 فصلا، يتناول الباب الأول منها مفهوم حقوق الإنسان والتعريفات المختلفة للمصطلح مرورا بنشأة وتطور حقوق الإنسان في التاريخ وحقوق الإنسان في الإسلام، ومصادر قوانين حقوق الإنسان الدولية والمحلية.

ويتناول الباب الثاني أنواع حقوق الإنسان وتقسيمها إلى حقوق مدنية وسياسية وحقوق اقتصادية واجتماعية، ويشرح الباب الثالث الأجهزة المعنية بحماية حقوق الإنسان في العالم وآليات تنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان. ويتناول الباب الرابع والأخير أخلاقيات وواجبات المهنة في عدد من المجالات مثل مجال المحاماة والمحاسبة والهندسة والفن والرياضة.

“الطلبة غير مستفيدين وغير مهتمين ويشعرون أنها لا تضيف لهم شيئا خصوصا وأنها ضد الممارسات الفعلية التي يرونها في الواقع” كان هذا هو تعليق الدكتورة إلهام عبد الحميد وكيل معهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة ومؤلفة كتاب “التعليم وحقوق الإنسان في مصر” عن تجربة تدريس مادة حقوق الإنسان في الجامعات المصرية، وترى أنه إذا كنا راغبين بالفعل في إنجاح التجربة فإنه يجب أن يكون هناك اتساق بين الكلام والفعل.

وتضيف أن الطالب لن يشعر أبدا بالحماس تجاه ما يدرسه إلا إذا كان الأستاذ نفسه مؤمنا بالفكرة ومتحمسا لها بدوره، ووصفت مادة حقوق الإنسان بأنها “مجرد مادة تلقينية” يدرسها الطالب دون شغف حقيقي على الرغم من تدريسها في جميع كليات جامعتي عين شمس وحلوان، وقرب تدريسها في معهد الدراسات التربوية، “يجب أن تكون المادة مبنية على أنشطة عملية وتطبيقات فعلية وليست مجرد مقرر جامعي” توضح عبد الحميد.

وتقول عبد الحميد إن المادة يجب أن تتضمن أنشطة وتطبيقات عملية بجانب الجانب النظري، كما أنه من الضروري أن يتم تدريس المادة طوال الوقت وفي كل عام دراسي وليس لمدة فصل دراسي واحد فقط، إذ أن هذه المدة ليست كافية لغرس ثقافة حقوق الإنسان في عقول الطلاب، وتضرب مثلا بعدة موضوعات تستحق كل منها فصلا دراسيا بالكامل لتدريسها ومناقشة كافة الجوانب بها مثل التطور التاريخي لمفهوم حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان من المنظور الإسلامي والفرعوني وفي الفكر الفلسفي الغربي والفكر الآسيوي، وواقع حقوق الإنسان في المجتمع المصري، والمواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان….إلخ

وترى عبد الحميد أن الكوادر البشرية من الأساتذة متوفر، وأن هناك الكثير من الأساتذة المؤمنين بأهمية المادة، ولكن المشكلة تكمن في بطء القرارات والبيروقراطية التي تعطل كثيرا من القرارات، كما أن المناخ داخل المنظومة التعليمية في مصر يتسم بالقهر والتسلط مما يقتل الإبداع والرغبة في التميز والاختلاف، “هناك ثقافة ضد حقوق الإنسان وحرب ضد الإبداع في المؤسسات التعليمية المصرية” توضح الدكتورة إلهام.

تتوق الدكتورة إلهام عبد الحميد إلى تدريس مادة حقوق الإنسان في المعهد، ولذلك تستغل مادة “قضايا معاصرة” التي تقوم بتدريسها كمدخل لطرح قضايا حقوق الإنسان في مصر والعالم، “العبرة ليست بالمسميات، فالأمر في النهاية متعلق بقناعة الأساتذة، ومن يريد فعل شيء لن يقف أمام أي قيود” كما تقول إلهام في ختام حديثها.

 

 

خلفيات

منهج مقترح لتدريس مادة حقوق الإنسان في المدارس والجامعات

في دراستها التي قامت بإجرائها عام 92 بعنوان (حقوق الإنسان في مناهج التعليم) دعت الدكتورة إلهام عبد الحميد وكيل معهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة إلى وجوب تدريس مادة حقوق الإنسان في كافة المؤسسات التعليمية في مصر وفي كافة المراحل السنية لضمان وصول مفاهيم حقوق الإنسان إلى عدد أكبر من التلاميذ لاسيما في التعليم الأساسي، كما تنص المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر إلى أنها يجب أن تهتم بنشر المعرفة والوعي بحقوق الإنسان، وأيضا ضرورة إعداد إنسان لديه تحصين حقيقي ضد تحديات العصر وقادر على الفرز النقدي والاختيار من بين الأفكار المختلفة، كما عرضت الدراسة تجارب عدد من الدول في مجال تدريس مادة لحقوق الإنسان في مؤسساتها التعليمية، وهي فنلندا والمكسيك والنمسا والولايات المتحدة وبولندا.

وتقترح الدراسة منهجا لتدريس حقوق الإنسان بداية من المرحلة الإعدادية يحتوي على الأهداف المرجوة من تدريس المادة، والأسس التي يقوم عليها النشاط في المنهج المقترح مثل عدم الفصل بين الجانب النظري والعملي والقيام بأنشطة تمثيلية بمواقف تثير قضايا حقوق الإنسان واشتراك التلاميذ في اختيار الأنشطة وتنفيذها.

ويحتوي المقرر النظري من 10 نقاط وعدد من الأنشطة المصاحبة التي تساعد في غرس مفاهيم حقوق الإنسان، وتؤكد الدراسة على ضرورة مراعاة طبيعة المتعلم في تلك المرحلة وخصائصه الجسمية والانفعالية والاجتماعية وكذلك تؤكد على إلزامية وعالمية حقوق الإنسان مع التأكيد على خصوصية العالم العربي.

وتحذر الدراسة من تدريس المادة بالطريقة التلقينية التقليدية التي تمثل أول وأكبر انتهاك لحقوق الإنسان في مؤسساتنا التعليمية، وتؤكد على ضرورة تدريس المادة بطريقة إيجابية تتيح للتلاميذ التعبير عن آرائهم وتطبيق هذه المفاهيم في حياتهم اليومية، “إن تدريس مادة حقوق الإنسان لن يكون له مصداقية لدى كل من المعلمين والتلاميذ إلا من خلال تغيير شامل لأوضاع المعلم، ثم لأحوال المدرسة من ناحية المكان ليصبح إنسانيا، ويصبح المعلم إنسانيا والامتحانات أيضا إنسانية، أي ضرورة تغيير كل ما يتعلق بالعملية التعليمية” حسبما تؤكد الدراسة.

_____________
نشره اسامة الرشيدي بمجلة (حقك) يونيو 2010

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى