يهل علينا في تلك الأيام عيد الفطر المبارك وتهل معه أيضا ذكرى ما سمي إعلاميا بـ(أحداث التحرش الجنسي) في منطقة وسط البلد، حيث وقعت تلك الأحداث ليلة عيد الفطر الماضي، وقد أثارت تلك القضية اهتمام وسائل الاعلام لفترة طويلة جدا وامتد تأثيرها الى خارج مصر حيث قامت عدد من الصحف ووسائل الاعلام العربية بالحديث عن هذه القضية مثل: (جريدة الخليج الاماراتية، جريدة الأخبار اللبنانية، جريدة الدستور الأردنية، جريدة الأنوار اللبنانية، قناة بي بي سي، قناة الحرة، قناة العربية) بالإضافة الى وسائل الإعلام المصرية بالطبع.
وحسب تأكيدات أصحاب المحال والشهود، وما هو معروف جيدا، فإن تلك الأحداث تحدث كل عام في أيام عيدي الفطر والأضحى، بالإضافة إلى أن ذلك يتم أيضا بعد مباريات الكرة وفي الاحتفالات بعدها، وتحدث بنفس القدر من الضخامة وبنفس الأعداد الكبيرة من الشباب الذين يقدرون بالمئات، ويقومون بالتحرش بالفتيات، إلا أن ما فجر الموضوع وأثار الضجة تلك المرة هو وجود أكثر من مدون في منطقة وسط البلد وقت وقوع تلك الأحداث، مثل وائل عباس صاحب مدونة الوعى المصري ومالك مصطفي صاحب مدونة مالكوم اكس، حيث قاموا بتصوير ما حدث والكتابة في مدوناتهم ونشره على الإنترنت، مما أحدث ضجة كبيرة في وسائل الإعلام الأخرى، مثل الصحافة والتلفزيون التي اعتمدت على تغطية المدونات لما حدث.
بدأت حوالى 5 مدونات الحديث عن الموضوع في البداية وهي (الوعي المصري، هكذا أنا، جيمى هود، صوت حر، مالكوم إكس)، حيث كان هؤلاء المدونين هم من كانوا موجودين أثناء أحداث التحرش ونشرت هذه المدونات بعض الصور التي توضح الازدحام الشديد والتدافع بين الشباب ليلة العيد.
والقصة كما رواها وائل عباس في اتصال هاتفي لبرنامج (القاهرة اليوم) هي أنه كان جالسا على مقهى مع زملائه في منطقة وسط البلد، منهم عبد الناصر فوزي، مصور وكالة رويترز، ومحمد الشرقاوي، أحد المدونين، وبيتر ألفريد مصور جريدة الكرامة ومجموعة أخرى من النشطاء، وقد جاءه أحد زملائه ليخبرهم بوجود حالات تحرش جنسي جماعي أمام سينما مترو بشارع طلعت حرب، وأن زجاج شبابيك السينما قد كسر، فتوجهوا إلى موقع الأحداث ليجدوا مجموعات كبيرة من الشباب تصل إلى المئات يقومون بالتحرش بأي سيدة يجدونها ويحاولون خلع ملابسها، ولم يفرق الشباب بين السيدات المحجبات وغير المحجبات، بل تردد أن بعض الشباب قد قاموا بخلع ملابس فتاتين خليجيتين منقبتين، وقد قام وائل عباس بتصوير بعض المشاهد بكاميرا الموبايل الخاصة به، وقام بيتر ألفريد بنشر بعض الصور في جريدة الكرامة، واستمرت أحداث التحرش قرابة الساعتين بعد انصرافهم في غياب تام لأجهزة الأمن.
أثار الخبر ضجة شديدة، حيث تمت مناقشة الموضوع في برنامج العاشرة مساء، حيث ردت وزارة الداخلية منكرة وقوع أي حالات تحرش جنسي وانها لم تتلقى أي بلاغات من هذا النوع.
وقام برنامج (القاهرة اليوم) بإذاعة لقاءات متعددة مع شهود عيان وأصحاب محلات وحراس عقارات في منطقة وسط البلد، حيث أكدوا وقوع حالات تحرش جنسي جماعي من قبل مئات الشباب الذين كانوا متواجدين في المنطقة، وقد أخفوا الفتيات والسيدات داخل العمارات والمحلات لحمايتهم من الشباب الهائج، واضطروا في بعض الأحيان الى الخروج بالشوم والعصى لمواجهة الشباب المتجمهر.
وقد أكد الشهود أيضا عدم وجود أي رجل من رجال الشرطة في المكان سواء ضباط أو عساكر أمن. وقال بعض شهود العيان إن الراقصة دينا قد قامت بالرقص أمام السينما حيث كان العرض الخاص لفيلم (على الطرب بالتلاتة) وأن هذه هو سبب إثارة الشباب، إلا أن هذا القول غير منطقي، حيث تقع تلك الأحداث كل عام بحسب تأكيدات الشهود أنفسهم، وتكون بنفس القدر من الضخامة.
انتشر الأمر بعد ذلك انتشارا واسعا وأصبح حديث معظم وسائل الإعلام عن هذا الموضوع، وقامت جريدة الدستور الأسبوعية بعمل ملف كامل عن الأحداث، كما قامت جريدة الأهرام بعمل تحقيق صحفي حول أحداث وسط البلد وحاورت بعض الشباب والشهود وقام عدد كبير من الكتاب بكتابة مقالات عديدة حول ما حدث.
وقد قام كرم جبر رئيس مجلس إدارة (روز اليوسف) بمهاجمة المدونين في جريدته التي لا يشتريها أحد، منكرا وقوع أي حالات تحرش جنسي رغم أنه لم يكن موجودا ولم يكلف نفسه عناء الذهاب إلى وسط البلد وسؤال شهود العيان، وقد وصف المدونين بالمجاذيب، ولا أحد يدري من أين أتته تلك الثقة في تأكيده على عدم وقوع حالات تحرش جنسي، وعلى الأرجح أن التعليمات هي التي حددت له هذا، عموما لم يؤثر هذا الهجوم على الموضوع لأن روز اليوسف لا يقرأها أحد وهي أشبه بالنشرة السرية.
أما أحمد ضياء الدين مساعد وزير الداخلية للشؤون القانونية، فأنكر بالطبع وقوع حالات تحرش جنسي، واتهم المدونين بالتأجيج وإثارة الجماهير من خلا أخبار كاذبة، واتهم وائل عباس بالتورط في قضايا تنال من الشرف والسمعة، وذلك في مداخلتين تليفونيتين له في برنامج (القاهرة اليوم) وبرنامج (العاشرة مساءا) مما جعل وائل عباس يقوم بتصوير الفيش والتشبيه الخاص به وعرضه في مدونته للرد على هذه الاتهامات والتأكيد على انه ليس متهما في أي قضية.
وقد أصدرت عدة منظمات مصرية حقوقية بيانا في شهر نوفمبر 2006 تطالب فيه بفتح تحقيق شامل حول ما جرى من أحداث أيام العيد، حيث انتقدوا في البيان تصريحات المسؤولين بوزارة الداخلية، وأعربت عن انزعاجها من تكرار موقف مسؤولي الداخلية من تلك الانتهاكات، حيث تقف العديد من المحاذير الاجتماعية والثقافية دون إقدام ضحايا هذا النوع من الانتهاكات عن الإفصاح عنها خوفا من الفضيحة والعار.
ورأى البيان أن من غير المقبول تجاهل العديد من شهود العيان الذين أكدوا وقوع حالات تحرش جنسي جماعي، وأن ما حدث هو مؤشر على مشكلات اجتماعية واقتصادية وثقافية كبيرة يعاني منها المجتمع المصري، خصوصا الشباب.
وطالبت تلك المنظمات بفتح تحقيقات موسعة ومعلنة حول أسباب ما جرى وأسباب الاهمال الأمني في المنطقة واتخاذ ما يلزم لضمان عدم تكرار تلك الانتهاكات في المستقبل.
نتائج
هذا الحدث كانت له عدة نتائج، حيث لوحظ في عيد الأضحى الماضي وجود للشرطة وأجهزة الأمن في منطقة وسط البلد، على الرغم من إنكارها رسميا ما حدث، إلا أن وزارة الداخلية تبدو أنها تحاول تلافي تكرار ما حدث، وهذه هي إحدى النتائج الإيجابية لما حدث.
من نتائج ما حدث أيضا أن المدونات اكتسبت أرضا جديدة كوسيلة إعلام جديدة تقوم بكشف ما تعجز عن كشفه وسائل الإعلام التقليدية، وظهر المدونون بكثرة في وسائل الإعلام للحديث عن أحداث التحرش وعن قضية التدوين وحرية التعبير على الإنترنت.
________________
كتبه اسامة الدسوقي على موقع زمش بتاريخ اكتوبر 2007