زمشسياسةمصر

يا صحفيينك يا مصر

هناك الكثير من الإكليشيهات التي يستخدمها الكتّاب والصحفيون في تعليقهم وتحليلهم للأحداث، منها:

  • عند مناقشة أطروحات الاخوان المسلمين دائما يقولون “إلا أن موقف الإخوان من المرأة والأقباط غير واضح المعالم”، وربما يضيفون أيضا أن “ذلك يخفي الوجه القبيح للجماعة”، وكذلك يقولون “إن الإخوان يريدون دولة دينية يحكمها رجال الدين على طريقة نظام ولاية الفقيه الإيراني).
  • عند نجاح الإخوان في الانتخابات التشريعية أو المحلية أو عند تحليل أسباب قوة الإخوان وكثرتهم العددية يقولون إن ذلك بسبب “جاذبية الشعارات الدينية”، وإن الناخبين قد انتخبوا أعضاء الاخوان كراهية في الحزب الوطني، وكأنه لا يوجد من يؤيد الاخوان اقتناعا بمبادئهم وأهدافهم، وكأن الانتماء للإخوان يكون بمجرد جاذبية عدد من الشعارات، وكأن الجماهير تعرف أحزابا أصلا حتى تحبها أو تكرهها.
  • ولا ضرر أيضا من بعض الحديث حول “غموض شعار الإسلام هو الحل”، وكأنه يوجد شعارات غامضة وأخرى واضحة، وكأن أي شعار لابد أن يشرح كل البرنامج والأفكار التي يؤمن بها أصحاب الشعار.
  • عندما يتصدى أعضاء من الحزب الوطني لمناقشة قضية أخلاقية (مثل قضية الحجاب مثلا) ينبري الصحفيون للهجوم معتبرين أن “النظام يزايد على الاخوان لكسب تعاطف الناس”، وكأنه من المفترض أن يختلف الحزب الوطني والإخوان في كل شيء ولمجرد الاختلاف، وكأنه ليس من الطبيعي أن يعترض أحد من أعضاء الحزب الوطني على مهاجمة فاروق حسنى للحجاب ويكون اعتراضهم صادقا.
  • على العموم هذا يدفعنا للحديث عن إكليشيه آخر من تلك الإكليشيات، ألا وهو هو الحديث دائما عن “صفقات يعقدها النظام والحزب الوطني مع الإخوان) وتختلف أسباب تلك الصفقات حسب الموسم الذي يكتب فيه الصحفي، مرة لتمرير مشروع التوريث وأخرى للإفراج عن أعضاء الجماعة المعتقلين وأخرى للسماح للجماعة بخوض الانتخابات وممارسة أنشطتها.
  • عند الحديث عن الدور المصري في المنطقة، ينقسم المحللون الى مؤيد ومعارض، فالبعض يرى أن السعودية قد ورثت الدور المصري وأنها هي قائدة المنطقة الآن، وبين من يرى أن مصر مازالت هي قائدة المنطقة، وأن السعودية تحاول ذلك ولكنها لم تنجح حتى الآن، وهما تحليلان مضحكان، فالحقيقة أنه لا مصر ولا السعودية ولا أي دولة عربية تقود المنطقة، فالدولتان مجرد تابعتان للولايات المتحدة وتنفذان كل أوامرها، فأمريكا هي القائد الحقيقي للمنطقة وليست مصر أو السعودية.

أيضا هناك أنواع للكتابة والتعبير عن الرأي تبدو جذابة ويستخدمها بعض الكتاب والصحفيين، وتتلخص في أنهم (مش عاجبهم حد) تجدهم مثلا يقولون:

  • الشعب المصري ضحية بين مطرقة النظام وسندان الإخوان.
  • أنا لا أنتمي إلا إلى الشعب المصري.
  • الوطن العربي ضحية بين إسرائيل وإيران.
  • مجدي الجلاد عندما يقول (أدعو الله أن يخلصنا من الثلاثة: النظام وأجهزة الأمن والإخوان).
  • جهاد الخازن عندما يقول في جريدة (الحياة) اللندنية حول الصراع بين أمريكا وإيران بأنهما (تستحقان إحداهما الأخرى).

وأود التعليق هنا في عدة نقاط:

أولا: إن تلك الطريقة تعبر عن سذاجة مفرطة، وسيادة الخطاب العاطفي الساذج في الكتابة والتحليل، وهو الملاحظ أنه المسيطر على الحالة الصحفية المصرية، وهو ما كان شديد الوضوح في التعليق على ما حدث في غزة من اقتتال بين فتح وحماس، انتهى بسيطرة حماس على القطاع، فانبرى الكتاب والمحللين ممن تستهويهم تلك الحالة لإدانة الطرفين والبكاء على فلسطين “التي أكلها أبناؤها”، وأن “حماس وفتح قد أراحوا إسرائيل من عبء تدمير فلسطين بتدميرهم إياها بالنيابة عنها”، وتناسى هؤلاء الحديث عن ممارسات الأجهزة الأمنية الفلسطينية البشعة والفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية وحركة فتح، ومناقشة أسباب الاقتتال مما جعل مما حدث أمرا محتوما، وأيضا تناسى هؤلاء الجهابذة ترحيب أمريكا وإسرائيل بإقالة حكومة حماس ودعمهما الكامل لفتح ومحمود عباس ضد حماس، وهو ما يكفي لتوضيح حقيقة ما حدث.

ثانيا: أعتقد أن هؤلاء يستخدمون تلك الطريقة بسبب ما تثيره من جمال التشبيه وتوليد الكثير من الجمل والألفاظ والمعاني، مثل الأمثلة المذكورة سابقا، وأضيف عليها أمثلة أخرى مثل (ليس لمصر إلا الله)، (يا فلسطين قد أكلك أبناؤك) والعديد من الأمثلة الأخرى التي تتيح للكاتب التعبير عن أنه (قلبه واجعه على البلد) وأن كل همه هو الشعب والمواطنين، ويعطى الفرصة أيضا لإطالة المقال حتى يبلغ المساحة المطلوبة للنشر.

كما تتيح له مثل المواقف والتعبيرات أيضا إثارة عواطف القراء وجذبهم لقراءة مقاله، وأنه لا توجد أي مصلحة، وأن كل ما يكتبه هو لله فيوحي بأنه (بيشتغل من دماغه) ولا يتلقى أوامر من أحد سوى ضميره، مما يتيح له قدرا من الاحترام في أوساط القراء، وهي وسيلة معروفة يستخدمها الكثير من الكتاب للإيحاء باستقلالهم الفكري ونزاهتهم.

ثالثا: تلك الطريقة تعتمد على اختزالية التصور والتحليل، مثال على ذلك عند الحديث عن البرنامج النووي الإيراني ونتائجه، إذ يحلو للبعض تصوير العرب على أنهم وقعوا ضحية بين إسرائيل وإيران، وقد قال أحدهم ذات مرة (سيتحول العرب إلى عبيد لإيران)، إذا كان الأمر كذلك فبماذا يسمى ذلك العبقري امتلاك اسرائيل لقنابل نووية؟ هل هذا يعنى أننا عبيد لإسرائيل فعلا، أم أن إسرائيل قد تحولت إلى صديقة للعرب، بالإضافة إلى افتراض أن إيران عدو للعرب، مع أنه يمكن اعتبارها حليفا قويا، أيضا مازال البرنامج النووي الإيراني يحبو في بدايته، وأخيرا: ماذا يعنى تحول العرب إلى عبيد لإيران؟ وما هي صورة تلك العبودية؟ وكيف سيتحول العرب إلى عبيد لإيران، طبعا لا توجد إجابات بسبب سذاجة الطرح.

رابعا: بعض تلك المواقف والتصورات تصل إلى درجة مهاجمة الشعب أيضا واتهامه بكل النقائص والعيوب، وكأن المصريين ولدوا كذلك، وأن تلك هي طبيعتهم وأن (خلقتهم كده)، وهي خرافة وكذب وشعوذة، فلا يوجد ما يسمى (شعب سلبي) أو شعب متخلف وآخر متفوق وذكى، فالشعوب والحضارات ليست لها صفات، وتلك الحجج استخدمها الاستعمار قديما حين اخترع فكرة (تفوق الرجل الأبيض) على الأجناس الأخرى، وأعطى لنفسه الحق في احتلال البلاد الأخرى لأنهم في رأيه متخلفين بالفطرة وأنه أفضل منهم لذلك من حقه احتلالهم، وهي فكرة خطيرة، فتلك المواقف مفادها في النهاية أننا نستحق ما نحن فيه، فإذا كان الشعب المصري سلبيا وخانعا ومريضا ومتخلفا حسب رأيهم، إذن هو يستحق ما هو فيه، وأن ذلك هو العدل بعينه، ويتجاهلون أن تلك السلبية مجرد نتيجة لذلك الظرف التاريخي الذى نعيشه، وليست صفة دائمة، فلا توجد صفات دائمة للشعوب، ولا يوجد ثقافة أو حضارة أو شعب أفضل من ثقافة أو حضارة أو شعب آخر.

مثل تلك المواقف تجدها أيضا عند مناقشة قضية فلسطين، فتجد البعض يقول لك في ذكاء (الفلسطينيون هم من باعوا أرضهم، لذلك يستحقون ما هم فيه) وهو ما يوضح جهلهم الفاضح، فلم يحدث ذلك أبدا، وتلك إشاعة أطلقها الإسرائيليون للإيحاء بأنهم ما هم الا (مشترون للأرض) وليسوا مستعمرين وطاردين لشعب من أرضه.

بدلا من البكاء على المؤامرات التي تحاك، لماذا لا تتحركون وتفعلون ما ترونه صحيحا، فالكاتب جهاد الخازن يقول عن الصراع بين أمريكا وإيران (أين العرب من كل هذا) وأنا أتفق معه، أين العرب من كل هذا؟ إذا كان العرب ضحية، فلماذا لا تدافع الضحية عن نفسها؟

إذا استمر الحال كهذا، سيستمر حال الصحافة المصرية بهذا السوء، فالصحافة المصرية ضحية بين مطرقة النظام وسندان الصحفيين. ولك الله أيتها الصحافة، فقد أكلك أبناؤك!

________

كتبه اسامة الدسوقي على موقع زمش بتاريخ اكتوبر 2007

الرابط الاصلي 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى